- انسان بين مرايا الروح -
فناجين قهوة وبعض من السجائر ها هنا وأخرى هناك و تلك تحت الوسادة تنصب عشها برفقة أحلام بالية وافكار هَرمت تلافيف الدماغ ولا زالت قابعة فيها , نَوبات من الحركة العشوائية تحرك كُل شيء على إيقاع الملل و والفوضى ...
سقف يرتوي عتمَة الليل الذي يرحَل ببطء شديد أشبَه بإنسان يملك رصاصتين في قلبه يمشي بروَية نَحو غَيبوبته ويلحَظ آخر الصور بنَاظريه , و يبحَث عَن آخر أنفاسه ..
فَجر يأتي بتردد , و مرايا الروح تعكس بعَضها البعض تَبحث عَن ظلك , والكل بإنتظار استيقاظك القادم من بعَيد كأنما رافقت أهَل الكَهف وغَفوت زمَناً أطوَل َ وحضَرت الآن و بحضورك ...فقد كل شيء تَوازنه , حتى عقارب ساعتك المتشبثة بعروق يدك ما عادت تسير كما كانت ..!
مذ سقَط نظرك على المرآة المقابلة ظننته نور الملائكة في المَكان , ثوان معدودات تفصلها بعض الشَهقات حَملتني كصقر رأى فريسته ونقلتني من تلك المرآة إلى أخرى لأراك أيها الإنسان بزجه آخر ..
مرآة ثانية .. تتسابق فيها أيها الإنسان لتروي عطش الروح للأحلام , وكأنما تناسيت نور الملائكة عَلى جناحيك وعقد القناعة بين يديك و بلسم الهدوء يعتلي وجنتيك و خصال الخجل تسكن في جفنيك...
يتقلب بك الحال بين الأنا وذاك وهم وما كنت وما ستكون ,إنها موجة تحملك إلى دوامة ضمائر لغتنا العربية ,تلونك في صور تضعك في الإطار الذي يحلو لَها , تقلبات الروح موجعة , مؤلمة مؤذية ,مستفزة ....غَبية ..!!
حوار روحك أسمَعه جَيداّ ,فترجمتك لا تبدو صَعبة أيها الإنسان , كلما نظرت إلى نفسك في تلك المرآة (الثانية) , سمعتك تَقول : كفاني تبعثراَ ...أينَ انا من هذا الذي يشبهني ..؟! أجَل يُشبهك وتشبهه وأنت بريء منه و هو غَريب منك ..!
تصب جل غَضبك و تعتزم تحطيمها ,تشدك يداك إلى الخلف ,تأتيك نية الصراخ , وفجأة تصمت وكأنك أبكَم .., تأتي بالذاكرة لتسألهَا :" مَن أنا من بين هؤلاء ..؟؟ " , تركض تركض كَمن فقد أمه في غربة ..!! , كلهم أنتَ حينَ نرى الوجوه.. لكن مَن أنتَ حين نأتي لحوار الروح ؟
مرآة ثالثة ... أنتَ أكثر هدوءاً , أقل استقراراُ , أكثر فضولاً للحياة .. أقل استسلاماُ وأكثر استغلالاً ,أقل احساساً واكثر خداعاً ,ملامح الصدق فيك تحتضر .. و عيون الكذب تتسابق لتحل محَل عينيك ... وكأنما تؤديان دَور البطولة في مسَرحية "أشتهي ثمار العالم وأعشق شجرة حديقتي " ... خَجل يحيط بالمرآة كلما غابت عيون مزيفة وأتت عيون الحقيقة ... تمضي متجاهلاً عبارات اللوم التي تبعثها روحك و تنادي بها قطرات الدم في عروقك ..
مرآة رابعة ... يعتريك الحنين لسلام الذات و لعناق الروح والمضي نحو الأهداف, تتراشق على مرآتك رصاصات العتاب, وقنابل الإحتمالات و حجارة الشك و الخوف من براءة عيون من يَراك ..كَـ مَلاك ..
تَضيق الأنفاس يا إنسان في محطات السفر بين مرايا الروح ,أنت لست أنت إلا حينما تختلي بجسدك و روحك معاً ,تحت ذات السماء وفوق ذات الأرض , بعيداُ عن ظنون البشر و حفيف الشجر و ترانيم المطر و بقايا الصور و حنين إلى بقايا عمر قادم وعمر ولى .. فكن بين يدي الله لحظة انتصاب في ساعة نودع بها نصف النهار ونهلل بآخر , و قابلني ببسمة صادقة صافية كأولى قطرات المطر في كانون .. كن أنت كما أنت بعذوبة ماء زمزم , أرى العالم من خلالك ...وأشتكي قلة الاستفهام ..
هَرمت ذاكرتك يا إنسان ولا زلت تبحث عَن ذاتك بين ذكريات مرت و لحظات تعيشها و أحلام تقطن بها و آمال تنتظرها ,فمتى تنتظم كمثل كريات الدم في عروقك , و انتظام الكون من حولك و تراتيل النجوم في ليلك , وسير أنفاسك برئتيك و بعثرة منتظمة بين يديك .. !!!
نشتاق سلام الروح ... متَى يا إنسان !!!!